يحبون استعراض ما يملكونه من علوم ومعارف هي سطحية ، بالنسبة لهم عميقة ومتمكنة تصلح لكل زمان ومكان ، تجلس مع بعضهم لتسمع الكثير من مقالات وهمية مدعمة بأقوال أصدقائهم وأقاربهم ومن لا علم لهم ، يتخبطون في العلوم بأنواعها ، يستدلون بما شاهدوه من معلومات قيمة من مسلسل درامي ، أو قناة أجنبية تحارب مبادئ الإسلام ، وكثير منهم ما يستخدمون كلمة شريعة لتوثيق بياناتهم ، ويدعمون بأدلة ضعيفة ؛ ويستخدمون الألفاظ الركيكة ، ألسنتهم تعمل أكثر من آذانهم ، فقط لأنهم يفضلون الظهور بصورة المثقف المتمكن على الظهور بصورة الجاهل الذي لا يفقه شيئا .
هم أصحاب الثقافة الكاذبة ؛ تراهم في كل مكان ، في المواقع الالكترونية ، وأجهزة البلاك بيري ، وفي التلفاز ، والإذاعة ، صار صيتهم أكبر من عدد المشاهد ؛ حتى أن المتلقي أصبح يقرأ بلا عقل ، فيستقبل وينهل من مواردهم ، ثم يقلدهم في نشر علومهم .
أيها السادة ، هو ليس طعنا في شخصهم ولا في أخلاقهم ، إنما طعن في علم لا يعرف مصدره من أين ؟
طعن في علم ليس من تخصصه ، فيتحدث فيه بكل انسيابية ، ويسبب لنفسه حرجا أمام صاحبه المتخصص أو مارٍ على مجلسه .
وقد جاء في القرآن الكريم: ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) [الإسراء: 36].
الآية واضحة ، فإذا كان أصحاب الثقافة الكاذبة يقرؤون القرآن لختمه دون تدبر ، أو كانوا من الذين هجروا القرآن ، وينقلون أحاديث النبي صلى الله عليهم وسلم في زحام ما يسمى بالأحاديث المكذوبة ، فلا ألومهم في نشر علم دون التحقق من مصدره ، فعقولهم تربت على ذلك .
أما إذا فهموا مغزى الآية ، واستمروا على حالهم في النشر والقول والإفتاء ، فعذرا لهم ، فهم زائدون على الدنيا ، ويا ليتهم يُزيحون أنفسهم قليلا لنتنفس .
فالأمانة في العلم نقلا وقولا وعملا من شيم عصر الصحابة ومن تبعهم ، وقد حث السلف على البحث وتصيد الحقيقة ، وهذا هو الأصل في طلب العلم ونقله .
استقبلت فيما مضى على جهازي الخاص ( البلاك بيري ) خبرا مفاده :
( ستتتعرض سواحل عمان لإعصار قوي وأنه في طريقه لضرب سواحل كلباء والمدن الأخرى وأن السلطات الإماراتية أعلنت الطوارئ بدرجة 100% وأن الجيش الإماراتي ووحدة التدخل السريع للإنقاذ متجهين الآن إلى ميناء كلباء لإخلاء الأهالي قبل وصول الإعصار ) .....
وكعادتي ، قمت بحذف الخبر ، فصاحب الخبر هو من ضمن الذين يحبون إظهار أنفسهم كمصدر موثق يعتمد عليه ، ولأن الخبر مفاده إشاعة تداولتها ألسنة إعادة التوجيه للآخرين ، وليس هناك أي علامة تدل أن الخبر من مصدر موثوق ، والعلامة لا تخفى على العاقل الواعي .
ننتقل لفئة أخرى ، هي من ضمن فئة الثقافة الكاذبة ، وقد وصفهم الله بقوله :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ *كبر مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ } الصف: 2 - 3
فقدان الأمانة في تقصي مصدر الحقائق لمصيبة ، والدعوة بالقول دون العمل له لأكبر عار لحامل علم لا يعمل بما تعلَّمه ، فكيف أثق بفرد يقول أمرا ويفعل ضده ، أو يدعو لعمل ويقول بضده ، وهذه كبيرة ودليل على ضعف الشخص ووازعه الديني ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مررتُ ليلة أُسريَ بي على قومٍ تُقرَض شفاهُهم بمقاريضَ من نارٍ؛ فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟! قال: خطباءٌ من أمَّتِكَ يقولون ما لا يفعلون )) حديث مرفوع .
لذا أدعو أصحابنا إلى التثبت عند النقل ، وأن تكون ذات جودة عالية ؛ فنحن قد خلقنا لأهداف سامية ، وأخلاق رفيعة ، دستورنا كتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم ، فلا مجال لتصحيح غيرنا ، فلنبدأ بأنفسنا ، فالوقت الذي نملكه سنحاسب عليه ، فانتبهوا من تصدر اللسان المقام الأول ، واجعلوا الصمت أمام التفاهة الحل الأمثل .
يحبون
بعشق التميز برجاء عند النقل عدم حذف اسم الكاتبة